[center]تعريف علم التنجيم
علم التنجيم أو علم النجوم له مرادفات أخرى منها : النجامة و التبريج و
الفلك و أشهرها عند العرب الأحكام النجومية , و يعرف عند الغربيين باسم
الأسطرولوجيا , و هي كلمة مكونة من كلمتين : أسطرون و تعني النجم , و لوجس و
تعني الخطاب , أي خطاب أو حديث النجوم . و العراف الذي يمتهن هذا العلم يسمى
منجما أو أحكاميا . و الأحكام النجومية هي صناعة الإخبار بالحوادث من النظر
في الكواكب و الحوادث العلوية . و كان العلماء لا يفرقون بين علم الهيئة و
الأحكام النجومية , فكان المتكلم في حركات النجوم و علاقاتها بعضها ببعض هو
نفسه الذي ينبىء بالحوادث المقبلة من النظر لتلك الحركات , و لم يميز بين
هذين العلمين إلا حوالي القرن 18 الميلادي .
فلك البروج كما تخيله الفنان العربي
img]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][/img]
و كان حكماء العرب يصنفون علم الهيئة أي علم الفلك في المرتبة الرابعة من
العلوم العقلية و كان من فروعه الأزياج و الأحكام النجومية . أما الآن فعلم
التنجيم علم مستقل بذاته و إن كان يعتمد على علم الفلك في حساب الهيئة
الفلكية , إلا أنه يصنف مع العلوم الروحانية و فنون العرافة .
ومهما تعمقنا في التاريخ فإننا نجد بقايا لعلم الأحكام النجومية ,فقد عمل
به الرومان و الإغريق و قدماء المصريين في عهد الفراعنة , و من قبلهم كانت
طائفة الكهان عند البابليين و السومريين يحفظونه و كانت مهمتهم تقتضي مراقبة
النجوم و إخبار الملوك بكل ظاهرة غير عادية . و كان التنبؤ بالكسوفات و
الخسوفات كذلك ذا أهمية كبرى . و في تلك الفترة كان التنجيم يسخر للملوك و
الكهان أساسا و استعمل بالخصوص لإدارة شؤون الحاضرة أو الدولة .
و خلدت لنا الحضارات القديمة التي شيدت الأنصاب الحجرية ستونهينج في سهل
ساليبوري بإنجلترا كشاهد قوي على معرفتها بالتنجيم , و تعد ستونهينج نوعا من
التقويمات تسجل فيها حركات فصول السنة . و في أمريكا الجنوبية و الوسطى بلغت
شعوب الأزتيك و المايا درجة عالية من الدقة في حساب سير الكواكب و النجوم , و
كانوا يعتبرونه عملا ضروريا لتحديد تواريخ الأعياد و المناسك الدينية , و رغم
التخريب الذي ألحقه المعمرون الأوروبيون بهذه الحضارات, بقيت بعض الآثار من
علومها مسجلة في الحجر المعروف بأنصاب الزمن . و في الصين يبدأ التقويم
الصيني القديم في سنة 2637 قبل الميلاد , و لم يكن يتم الجزم في أمر من أمور
البلاط الإمبراطوري إلا بعد استشارة النجوم .
غير أن حضارات المايا و الأزتيك و الصينيين استعملوا أحكاما نجومية تختلف
كثيرا في دلالاتها عن التنجيم الذي نعمل به و الذي ترعرع في منطقة حوض البحر
الأبيض المتوسط .
و لعب العرب دورا كبيرا في ازدهار علم التنجيم فهم من أحيى التراث
التنجيمي اليوناني و مزجوه بتراث الحضارات الأخرى التي كانت تحت سيادة
إمبراطوريتهم خصوصا التنجيم الفارسي و الهندي , فظهر إلى الوجود الأحكام
النجومية العربية , و ذاع صيت المنجمين العرب و ترجمت مصنفاتهم إلى اللغة
اللاتينية و عمل بأحكامهم منجموا الغرب فترة طويلة , و أشهر الأحكاميين العرب
أبو معشر جعفر بن محمد بن عمر البلخي المتوفى عام 886 م كأعظم علماء العرب في
علم الأحكام النجومية و أشهر كتبه كتاب المدخل إلى علم أحكام النجوم , و كذا
الفيلسوف الكندي و و بالمغرب الأقصى اشتهر ابن البناء و ابن قنفذ و بالأندلس
لا يزال ذكر مسلمة المجريطي كأحد كبار الحكماء و كتابه غاية الحكيم في السحر
مقدس لدى الغربيين و يطبع ليومنا هذا بإسم بيكاتريكس .
img]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][/img]
الوجه الثاني من برج القوس من كتاب مواليد الرجال و النساء لأبي معشر
البلخي كما تخيلها الفنان العربي بأدق تفاصيلها الرامي بالقوس يرمز
لبرج القوس و الرجل ذي العمامة يرمز للمشتري رب البرج و الرجل بالوجه
الدائري هو القمر صاحب الوجه . الكرات على يمين الوجه تدل على الدرجات
السعيدة و النحيسة في الوجه . و في أسفل الصورة حدود البرج الخمسة من
اليمين لليسار : عطارد (و عادة ما يرمز له برجل يحمل كتابا) و المريخ و
المشتري و الزهرة (و الرسام هنا وضع صورة القمر لأن الزهرة عادة ما
ترسم على شكل إمرأة تضرب عودا و النيرين الشمس و القمر لا حظ لهما في
حدود البروج أي الحدود تكون للكواكب الخمسة المتحيرة) و زحل الشيخ
الأسود
و لم يتم التمييز بين علم التنجيم و علم الفلك إلا حديثا خلال الثورة
العلمية في القرن 18 م في أوربا .
و علم التنجيم كما نعرفه نقل إلينا عن طريق اليونان الذين أخذوه عن
المصريين القدماء و الكلدانيين , و أشهر كتاب في علم التنجيم هو
التيترابيبلوس الذي اشتهر عند العرب بإسم المقالات الأربع , مؤلفه كلود
بطليموس صاحب كتاب المجسطي الغني عن الذكر و كتاب الجغرافيا و كتاب الثمرة ,
و كان يعيش بالإسكندرية في القرن الثاني الميلادي
و أصبح كتاب المقالات الأربع المرجع الرئيسي في أصول علم التنجيم عند
المنجمين المعاصرين , مع العلم أنه ترجم عن العربية
و بعدما عرف علم التنجيم انتشارا كبيرا , في العصور الوسطى تعرض هذا العلم
للكسف ابتداءا من القرن 17 و 18 م , فبعد إبعاده عن الجامعات , أصبح يصنف ضمن
العلوم الروحانية و فنون العرافة , و ظل منتشرا في العالم الإسلامي إلى أن
اندثر و انمحت آثاره مع قدوم الإمبريالية الأوروبية .
و جاء عصر النهضة التنجيمية في أوربا في نهاية القرن 19 م تحت زخم بول
شوازنارد بفرنسا و فون كلوكلر بألمانيا , و منذ ذلك الوقت أصبح علم التنجيم
يسترد ما انتزع من حقوقه , و رغم أنه لم يستعد بعد مكانته القديمة فإنه مستمر
في تطوره .
و في الوقت الراهن يتوافق علم التنجيم القديم مع علم التنجيم العلمي العصري
أو ما يسمى بالخطأ الغربي , فالأبحاث كثيرة و أصبحت تعتمد على الإحصائيات
بكثرة من لدن مجددي هذا العلم , و النتائج تتطابق بشكل عام مع الأصول القديمة
, و يبقى هناك مجال واسع يجب تغطيته لوضع هذا العلم في زمن العالم المعاصر ,
لكن في كثير من أرجاء العلم ينكب على ذلك عدد من الأحكاميين .
و لا يزال قسم كبير من تراثنا التنجيمي العربي الكبير يحتاج لمن يرفع
النقاب عنه و يدرسه و يجدده , و ينفض عنه غبار المكتبات الخاصة و ينشره ليطلع
عليه كل الناس .
منقول للأمانة
المصدر الخبير الفلكي المغربي سرويتي خالد
[[